الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقيل: مسافة النزول ألف سنة ومسافة الطلوع ألف سنة روي ذلك عن الضحاك.وهذا اليوم هو عبارة عن زمان يتقدر بألف سنة، وليس المراد به مسمى اليوم الذي هو مدّة النهار بين ليلتين، والعرب قد تعبر عن المدة باليوم كما قال الشاعر:
فإن الشاعر لم يرد يومين مخصوصين.وإنما أراد أن زمانهم ينقسم شطرين، فعبر عن كل واحد من الشطرين بيوم، قرأ الجمهور: {يعرج} على البناء للفاعل.وقرأ ابن أبي عبلة على البناء للمفعول، والأصل: يعرج به ثم حذف حرف الجار فاستتر الضمير.وقد استشكل جماعة الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] فقيل في الجواب: إن يوم القيامة مقداره ألف سنة من أيام الدنيا، ولكنه باعتبار صعوبته وشدة أهواله على الكفار كخمسين ألف سنة، والعرب تصف كثيرًا يوم المكروه بالطول، كما تصف يوم السرور بالقصر، كما قال الشاعر: وقول الآخر:ويوم كإبهام القطاة قطعته. وقيل: إن يوم القيامة فيه أيام؛ فمنها ما مقداره ألف سنة، ومنها ما مقداره خمسون ألف سنة.وقيل: هي أوقات مختلفة يعذب الكافر بنوع من أنواع العذاب ألف سنة، ثم ينقل إلى نوع آخر، فيعذب به خمسين ألف سنة.وقيل: مواقف القيامة خمسون موقفًا كل موقف ألف سنة، فيكون معنى {يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} أنه يعرج إليه في وقت من تلك الأوقات أو موقف من تلك المواقف.وحكى الثعلبي عن مجاهد وقتادة والضحاك أنه أراد سبحانه في قوله: {تَعْرُجُ الملائكة والروح إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ خَمْسينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل، والمراد: أنه يسير جبريل ومن معه من الملائكة في ذلك المقام إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة في مقدار يوم واحد من أيام الدنيا، وأراد بقوله: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} المسافة التي بين الأرض وبين سماء الدنيا هبوطًا وصعودًا فإنها مقدار ألف سنة من أيام الدنيا.وقيل: إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر؛ وذلك لأن من نفذ أمره غاية النفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنين متطاولة، فقوله: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} يعني: يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة.فكم يكون الشهر منه؟ وكم تكون السنة منه؟ وعلى هذا فلا فرق بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة.وقيل: غير ذلك.وقد وقف حبر الأمة ابن عباس لما سئل عن الآيتين كما سيأتي في آخر البحث إن شاء الله.قرأ الجمهور: {مّمَّا تَعُدُّونَ} بالفوقية على الخطاب، وقرأ الحسن والسلمي وابن وثاب والأعمش بالتحتية على الغيبة.والإشارة بقوله: {ذلك} إلى الله سبحانه باعتبار اتصافه بتلك الأوصاف، وهو مبتدأ وخبره: {عالم الغيب والشهادة} أي العالم بما غاب عن الخلق وما حضرهم.وفي هذا معنى التهديد لأنه سبحانه إذا علم بما يغيب وما يحضر، فهو مجاز لكل عامل بعمله، أو فهو يدبر الأمر بما تقتضيه حكمته {العزيز} القاهر الغالب {الرحيم} بعباده، وهذه أخبار لذلك المبتدأ، وكذلك قوله: {الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ} هو خبر آخر.قرأ الجمهور: {خلقه} بفتح اللام.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بإسكانها، فعلى القراءة الأولى هو فعل ماض نعتًا لشيء، فهو في محل جرّ.وقد اختار قراءة الجمهور أبو عبيد وأبو حاتم، ويجوز أن تكون صفة للمضاف، فيكون في محل نصب.وأما على القراءة الثانية ففي نصبه أوجه: الأوّل: أن يكون بدلًا من كل شيء بدل اشتمال، والضمير عائد إلى كل شيء، وهذا هو الوجه المشهور عند النحاة.الثاني: أنه بدل كل من كل، والضمير راجع إلى الله سبحانه، ومعنى {أحسن} حسن، لأنه ما من شيء إلا وهو مخلوق على ما تقتضيه الحكمة، فكل المخلوقات حسنة.الثالث: أن يكون {كل شيء} هو المفعول الأوّل، و{خلقه} هو المفعول الثاني على تضمين أحسن معنى: أعطى، والمعنى: أعطى كل شيء خلقه الذي خصّه به.وقيل: على تضمينه معنى: ألهم.قال الفراء: ألهم خلقه كل شيء مما يحتاجون إليه.الرابع: أنه منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة، أي خلقه خلقًا كقوله: {صُنْعَ الله} [النمل: 88] وهذا قول سيبويه.والضمير يعود إلى الله سبحانه.والخامس: أنه منصوب بنزع الخافض، والمعنى: أحسن كل شيء في خلقه، ومعنى الآية: أنه أتقن، وأحكم خلق مخلوقاته، فبعض المخلوقات وإن لم تكن حسنة في نفسها، فهي متقنة محكمة، فتكون هذه الآية معناها معنى {أعطى كُلَّ شيء خَلْقَهُ} [طه: 50] أي لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة، وخلق لا البهيمة على خلق الإنسان.وقيل: هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى، أي أحسن.خلق كل شيء حسن.{وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان من طينٍ} يعني: آدم: خلقه من طين، فصار على صورة بديعة وشكل حسن {جَعَلَ نَسْلَهُ} أي ذريته {من سلالة} سميت الذرية سلالة؛ لأنها تسلّ من الأصل، وتنفصل عنه، وقد تقدم تفسيرها في سورة المؤمنون؛ ومعنى {مّن مَّاء مَّهينٍ} من ماء ممتهن لا خطر له عند الناس وهو المنيّ.وقال الزجاج: من ماء ضعيف.{ثُمَّ سَوَّاهُ} أي الإنسان الذي بدأ خلقه من طين، وهو آدم، أو جميع النوع.والمراد: أنه عدل خلقه وسوّى شكله وناسب بين أعضائه {وَنَفَخَ فيه من رُّوحه} الإضافة للتشريف والتكريم، وهذه الإضافة تقوّي أن الكلام في آدم لا في ذريته، وإن أمكن توجيهه بالنسبة إلى الجميع.ثم خاطب جميع النوع فقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} أي خلق لكم هذه الأشياء تكميلًا لنعمته عليكم وتتميمًا لتسويته لخلقكم حتى تجتمع لكم النعم، فتسمعون كل مسموع وتبصرون كل مبصر، وتتعقلون كل متعقل، وتفهمون كل ما يفهم.وأفرد السمع لكونه مصدرًا يشمل القليل والكثير، وخص السمع بذكر المصدر دون البصر والفؤاد فذكرهما بالاسم ولهذا جمعا؛ لأن السمع قوّة واحدة ولها محل واحد، وهو الأذن ولا اختيار لها فيه، فإن الصوت يصل إليها ولا تقدر على ردّه.ولا على تخصيص السمع ببعض المسموعات دون بعض؛ بخلاف الأبصار، فمحلها العين وله فيه اختيار، فإنها تتحرّك إلى جانب المرئي دون غيره، وتطبق أجفانها إذا لم ترد الرؤية لشيء؛ وكذلك الفؤاد له نوع اختيار في إدراكه، فيتعقل هذا دون هذا، ويفهم هذا دون هذا.قرأ الجمهور: {وبدأ} بالهمز، والزهري بألف خالصة بدون همز، وانتصاب {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} على أنه صفة مصدر محذوف، أي شكرًا قليلًا، أو صفة زمان محذوف، أي زمانًا قليلًا.وفي هذا بيان لكفرهم لنعم الله.وتركهم لشكرها إلا فيما ندر من الأحوال.{وَقَالُوا أَءذَا ضَلَلْنَا في الأرض} قد تقدم اختلاف القراء في هذه الهمزة وفي الهمزة التي بعدها.والضلال: الغيبوبة، يقال: ضلّ الميت في التراب: إذا غاب وبطل، والعرب تقول للشيء إذا غلب عليه غيره حتى خفي أثره: قد ضلّ، ومنه قول الأخطل: قال قطرب: معنى ضللنا في الأرض: غبنا في الأرض.قرأ الجمهور {ضللنا} بفتح ضاد معجمة ولام مفتوحة بمعنى: ذهبنا وضعنا وصرنا ترابًا وغبنا عن الأعين، وقرأ يحيى بن يعمر وابن محيصن وأبو رجاء: {ضللنا} بكسر اللام، وهي لغة العالية من نجد.قال الجوهري: وأهل العالية يقولون: ضللت بالكسر.قال: وأضله، أي: أضاعه، وأهلكه، يقال: ضلّ الميت: إذا دفن.وقرأ عليّ بن أبي طالب والحسن والأعمش وأبان بن سعيد: {صللنا} بصاد مهملة ولام مفتوحة، أي أنتنا.قال النحاس: ولا يعرف في اللغة: صللنا، ولكن يقال: صلّ اللحم إذا أنتن.قال الجوهري: صلّ اللحم: يصلّ بالكسر صلولًا: إذا أنتن، مطبوخًا كان أو نيئًا، ومنه قول الحطيئة: {أَءنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ} أي نبعث، ونصير أحياء، والاستفهام للاستنكار، وهذا قول منكري البعث من الكفار، فأضرب الله سبحانه من بيان كفرهم بإنكار البعث إلى بيان ما هو أبلغ منه، وهو كفرهم بلقاء الله، فقال: {بَلْ هُم بلَقَاء رَبّهمْ كافرون} أي جاحدون له مكابرة وعنادًا، فإن اعترافهم بأنه المبتدىء للخلق يستلزم اعترافهم بأنه قادر على الإعادة.ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: أن يبيّن لهم الحق ويردّ عليهم ما زعموه من الباطل، فقال: {قُلْ يتوفاكم مَّلَكُ الموت الذي وُكّلَ بكُمْ} يقال: توفاه الله واستوفى روحه إذا قبضه إليه، وملك الموت هو: عزرائيل، ومعنى {وكل بكم} وكل بقبض أرواحكم عند حضور آجالكم {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي تصيرون إليه أحياء بالبعث والنشور لا إلى غيره، فيجازيكم بأعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {يُدَبّرُ الأمر} الآية قال: هذا في الدنيا، تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة.وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عنه في قوله: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: من الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض.وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: دخلت على عبد الله بن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان، فقال له ابن فيروز: يا أبا عباس، قوله: {يُدَبّرُ الأمر منَ السماء إلَى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} فكأن ابن عباس اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، فقال ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما، وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم، فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب، فسأله عنهما إنسان فلم يخبره، ولم يدر فقلت: ألا أخبرك بما حضرت من ابن عباس؟ قال: بلى، فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس قد أبى أن يقول فيها، وهو أعلم مني.وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} قال: لا ينتصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم حتى يقضي بين العباد، فينزل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ولو كان إلى غيره لم يفرغ في خمسين ألف سنة.وأخرج ابن جرير عنه أيضًا في قوله: {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه في يَوْمٍ} من أيامكم هذه، ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام.وأخرج ابن أبي شيبة، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: {الذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ} قال: أما رأيت القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها.وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا في الآية أنه قال: أما إن است القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها، وقال: {خَلَقَهُ} صورته.وقال: {أَحْسَنَ كُلَّ شَيْء} القبيح والحسن والعقارب والحيات وكلّ شيء مما خلق، وغيره لا يحسن شيئًا من ذلك.وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لقينا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة قد أسبل، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه، فقال: يا رسول الله، إني أحمش الساقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرو بن زرارة إن الله عز وجل قد أحسن كلّ شيء خلقه، يا عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبلين» وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد قال: أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا قد أسبل إزاره، فقال: «ارفع إزارك» فقال: يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي، فقال: «ارفع إزارك كلّ خلق الله حسن». اهـ. .قال القاسمي: {الم} تقدم أن هذه الفواتح أسماء للسور: {تَنزيلُ الْكتَاب لَا رَيْبَ فيه} أي: في كونه منزلًا: {من رَّبّ الْعَالَمينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي: اختلقه من تلقاء نفسه: {بَلْ هُوَ الْحَقُّ من رَّبّكَ لتُنذرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مّن نَّذيرٍ مّن قَبْلكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي: يتبعون الحق.وذلك أن قريشا لم يبعث إليهم رسول قبله صلى الله عليه وسلم، فلطف تعالى بهم وبعث فيهم رسولًا منهم صلّى الله عليه وسلم.{اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في ستَّة أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} تقدم الكلام في ذلك: {مَا لَكُم مّن دُونه من وَليٍّ وَلَا شَفيعٍ} أي: ما لكم عنده ناصر ولا شفيع من الخلق: {أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} أي: تتعظون بالقرآن فتؤمنوا: {يُدَبّرُ الْأَمْرَ منَ السَّمَاء إلَى الْأَرْض} أي: يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية، من الملائكة وغيرها، نازلة آثارها وأحكامها إلى الأرض: {ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْه} أي: يصعد إليه، أي: مع الملك للعرض عليه: {في يَوْمٍ كَانَ مقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} أي: مقدار صعوده على غير الملك، ألف سنة من سنين الدنيا.قال ابن كثير: أي: يتنزل من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرضين، كما الله تعالى: {اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمنَ الْأَرْض مثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} [الطلاق: 12] الآية. وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق السماء. انتهى.{ذَلكَ} أي: المدبر: {عَالمُ الْغَيْب} أي: ما غاب عن العباد، وما يكون: {وَالشَّهَادَة} أي: ما علمه العباد، وما كان: {الْعَزيزُ} أي: الغالب على أمره: {الرَّحيمُ} أي: بالعباد في تدبره: {الَّذي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أي: أحكم خلق كل شيء؛ لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإنْسَان} يعني آدم: {من طينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} أي: ذريته: {من سُلَالَةٍ} أي: من نطفة: {مّن مَّاء مَّهينٍ} أي: ضعيف ممتهن، والسلالة الخلاصة، وأصلها ما يسل ويخلص بالتصفية: {ثُمَّ سَوَّاهُ} أي: قوّمه في بطن أمه: {وَنَفَخَ فيه من رُّوحه} أي: جعل الروح فيه، وأضافه إلى نفسه تشريفًا له: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئدَةَ} أي: خلق لكم هذه المشاعر، لتدركوا بها الحق والهدى: {قَليلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي: بأن تصرفوها إلى ما خلقت له.{وَقَالُوا} أي: كفار مكة: {أَئذَا ضَلَلْنَا في الْأَرْض} أي: صرنا ترابًا مخلوطًا بتراب الأرض لا نتميز منه، أو غبنا فيها: {أَئنَّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ} أي: نجدد بعد الموت: {بَلْ هُم بلقَاء رَبّهمْ} أي: بالبعث بعد الموت للجزاء والحساب: {كَافرُونَ} أي: جاحدون.قال أبو السعود: إضراب وانتقال من بيان كفرهم بالبعث، إلى بيان ما هو أبلغ وأشنع منه، وهو كفرهم بالوصول إلى العاقبة، وما يلقونه فيها من الأحوال والأهوال جميعًا: {قُلْ} أي: بيانًا للحق، وردًّا على زعمهم الباطل: {يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْت الَّذي وُكّلَ بكُمْ} أي: يقبض أرواحكم: {ثُمَّ إلَى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: بالبعث للحساب والجزاء.
|